just 4 all

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
just 4 all

...


    الأصوات وتأثيرها على النفس البشرية

    avatar
    NIDAL
    عضو اساسي


    المساهمات : 28
    تاريخ التسجيل : 13/12/2009
    الموقع : دمشق

    الأصوات وتأثيرها على النفس البشرية Empty الأصوات وتأثيرها على النفس البشرية

    مُساهمة  NIDAL الخميس ديسمبر 17, 2009 10:17 pm

    الأصوات وتأثيرها على النفس البشرية

    الصوت المتهدج الذي تصحبه التأتأة، لا يصدر إلا من شخص كله خجل وارتباك وبالكاد نستمع إليه.
    صدور الصوت من مصدره، يسبق حدوث الحدث، أي بمعنى، حين استماعنا للصوت، نعرف بأنّ هناك أمراً سيليه، ويعقبه مباشرةً، ونستشهد بذلك من خلال الظواهر الطبيعية، فلدى سماعنا لصوت الرعد، يعني ذلك، إنه إشعارٌ بتهاطل الأمطار، وهذا ما عهدناه واعتدناه، وصار قانوناً أو ناموساً طبيعياً، نعرفه بالاقتران الشرطي.
    وفي حياتنا اليومية، نجد أنّ للصوت دوراً كبيراً في معرفة أشياء كثيرة، بمجرد صدوره من مصدره، فحينما يرفع المؤذِن صوت الحقِّ، نجد المصلين قد شمروا عن سواعدهم للوضوء، ثم نراهم يتوافدون على المساجد لتأدية فريضة الصلاة، لأنّ في صوت الآذان، نداءً وإيذاناً بحلول وقتها.
    كذلك عندما يطرق أحدهم باب البيت، نعرف أنّ هناك شخصاً يقف خلفه طالباً الدخول إليه، لأنّ في وقع طرقاته، إشعاراً بقدومه ووجوده، وعندما يتناهى إلى مسامعنا صياح الديكة، ونحن نغطُّ في نومٍ عميق، نعرف بذلك، أنّ الفجر على وشك البزوغ، وإنْ كان هذا الصوت الذي يجعلنا نصحو من نومنا هو صياح الكلاب (أعزكم الله) فهذا معناه، أنّ ثمة لصاً بالجوار، وعلينا أن نحتاط ونتوخى الحذر عند سماعنا للصوتين.
    كانت هذه المقدمة المقتضبة لإيضاح ما للصوت من جوانب عديدة ومهمة في حياتنا.
    ما جاء في هذه المقدمة سوف يُلقي بظلاله على ما سيلي في مقالنا هذا، من فقرات ووقفات سنتطرق إليها، أولُها معرفة الآخر من خلال معرفة صوته، كثيراً ما يحدث عندما نشاهد صديقاً أو قريباً لنا قد مضى وقت طويل على عدم رؤيته، أن يقوم أحدُنا بالاقتراب منه ومباغتته، على حين غرة، ويُغمض له عينيه، ليرى هل سيعرفه صديقه هذا من عدمه، فيقوم الأخير بذكر أسماء كثيرة في محاولة منه لمعرفته ولكن دونما فائدة، وتبوء محاولته بالفشل.
    ولكي يخرج من هذا الموقف المحرج، سيحاول باحتيال أن يجره إلى الحديث، حتى يعرفه من خلال نبرات صوته، بعد أن عدم الوسيلة لرؤيته، لأنه قد حجب عنه الرؤية، وبمجرد أن يتفوه بكلمة واحدة، يقول له مبتسماً: عرفتك فأنت فـــلان. فيصيب بذلك عين الحقيقة، وهوَّ مُغمَض العينين، هذا ما حدث دائماً، حين إقبالنا على هذه الدعابة التي تنتهي باللجوء إلى عنصر الاستشعار، لمعرفة الآخر من خلال نبرات صوته.
    وبعد هذه الفقرة، سننتقل الآن إلى فقرة أخرى، لدراسة وظيفة ظاهرة الصوت في التعبير عَّما نشعر به من مشاعر كالخوف والفرح مثلاً، في المناسبات السَّارة عادةً ما تقوم النساء بإطلاق العنان للزغاريد إيذاناً وإعلاناً بخبر سعيد وبشرى سارة في مناسبات الأعراس والنجاح وقدوم مولود جديد، فمبجرد أن نستمع لزغاريد النسوة نعي حدوث ذلك، فترتاح أنفسنا ونشعر بالغبطة، ولكن ما ترتعد له فرائسنا ويقضُّ مضاجعنا، هو أصواتٌ أخرى قد تصدر منهنّ، وهي الصراخ والعويل، فنعرف بذلك أنّ هناك مصاباً جللاً قد حدث، لا سمح الله.
    أما الفقرة الثالثة، فسوف نركز فيها على معرفة الحالة النفسانية للآخر من خلال نبرة صوته، التي تفصح لنا بجلاء عما يعتريه، فالذي تصطك أسنانه، إما أنه يشعر بالخوف أو بالبرد القارص.
    أما الذي يتحدث إلينا بصوت فيه لمسة حزن، فنجد أن الصوت الذي يصدر من فيه، فيه شيء من الحشرجة المفعمة بالتباطؤ والتثاقل في النطق، كأن صوته يخرج من عنق زجاجة تخنقه العبرات الباكية والمبكية، عند سماعنا لها، وكمثال لهذا النوع من الصوت، نضرب مثلاً بصوت الفنان الراحل فريد الأطرش الذي طالما أبكى المستمعين حتى في أغانيه التي لم يغلب عليها الطابع الحزين، لدرجة أنه حتى في أعماله التي تتسم بالفرح من حيث المضمون واللحن، قدمها بذلك الصوت الحزين، ما يعكس حالته النفسانية التي غلبت إحساسه بالكلمة واللحن، وهذا الكلام على ذمة النقاد.
    كذلك فإن الصوت المتهدج الذي تصحبه التأتأة، لا يصدر إلا من شخص كله خجل وارتباك وبالكاد نتمكن من الاستماع إليه، لأنه غالباً ما يكون منخفضاً، وقد يكون الصوت المعبر ليس كلاماً و قولاً، بل أصواتاً تعبيرية، فمن يشعر بألم أو مرض (عافاكم الله) قد لا يستطيع الإفصاح عنه بالكلام، فيلجأ إلى إشعارنا بذلك من خلال الأنين.
    كذلك الطفل عندما يسمعنا صوت البكاء أو الصراخ، ليعبر لنا عن حالة الجوع والألم، وبعض الناس حينما نسأله عن حاله، يُجيبنا بآهة حرى وغيره من ينفث بأفٍ، وبهذين التعبيرين أو الحركتين الصوتيتين يكون قد عبر لنا كلاهما بما يشعر به، فالأول أراد أن يُعلمنا بأنه بأسوأ حال، أما الثاني فوجد في هذا التعبير خير وسيلة ليشعرنا بغضبه واستيائه من أمر ما.
    وبعد ما تقدَّم، نأتي الآن إلى هذه الفقرة الخاصة بتوظيف الصوت لمآربنا الخاصة، حيث يقوم الكثير باصطناع أصوات أخرى غير أصواتهم الأصلية، حين حديثهم معنا، فمنهم من يُريد أن يوقع الفزع في قلوبنا، لذلك نجده يزمجر بصوت عالٍ كزئير الأسد، وهناك من يحاول استمالة الناس نحوه بصوت باكٍ، كي يعطفوا عليه ويكسب بذلك محبتهم وحنانهم.
    ولأنه وكما يقولون "الأذن تعشق قبل العين أحياناً." نجد الشباب يتحدثون إلى الفتيات بأصوات كهدهدة العصافير الساحرة بطريقة مباشرة أو عبر أسلاك الهاتف أو بواسطة أية وسيلة أخرى لاسلكية، كي يوقعوا في أنفسهنّ شيئاً من الانجذاب إليهم، ليحققوا بذلك مآربهم المريضة.
    أما الباعة فنجدهم يروجون لبضائعهم وهم يهتفون بأصوات حدتها عالية، في حين، وفي حين آخر، نراهم يهمسون بها في آذاننا، فتقع على مسامعنا كأنها بإلقاء شاعر مرهف الإحساس، فقط ليبيعوا لنا ما لديهم من بضائع مكدسة.
    ولأن في الصوت إشعاراً واستشعاراً وإعلاناً وإيذاناً وتحذيراً ونفيراً وصرخات وآهات، نهمس في آذانكم بصوت هادئ ومسموع، قائلين "للصوت وقع وتأثير على النفس البشرية."

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 4:30 am